من حكايات " كليــــلة و دِمْــــنــــة "

 

شـــدْوُ الربـــابــة في أخبار القيادات التاريخية في الغابــة !

قال دبْشَـــليم الملِك لبيــدَبا الفيلســوف :

إضــرب لي يا بيدبــا مثلَ الســلطان العــادل الكريم ، حين يُبْتــلى بالوزير الجاهــل اللئيم . وعندمــا يحيــطُ بالقائـد المناضـل ، أهــلُ الفســاد والباطل .
قال بيدبــا :
إذا صـــفا النّبْـــع عَــذُ بَت الأنهــار ، وإذا كان القائد من الأخيار ، فمن المحال أن يكون أعوانه من الأشــرار ، وهذا ما جرى للأســد حين اســتوزرَ الحمــار !
قال دبشــليم :
وكيـف كان ذلك أيهــا الفيلســوف ؟
قال بيدبا :
زعمــوا يا مولاي ، أن الأســد وهو ســيد الحيوانات ، وملك البراري والغابات ، إرتأى بعد قراءة المُســتجـدّات ، واستشــارة أجهــزة المخــابرات. أن إنقــاذ البلاد ، لايكــون إلا بمحاربــة الفســاد ، الذي أهلكَ الحـرْث والنســل والعبــاد . ولا بُــدّ لهــذه المُهمّــة ، من وزير يتميّــز بالعقل والحكمــة . ووقع اختــيارُهُ على أبي صــابر ، فهو القنــوعُ الحامــدُ الشــاكر .
شَـــكّـلَ أبو صــابر الوزارة ورفع شــعار الإصــلاح ، والخصـخصـة والإنفتــاح. فكانت التشــكيلة كما جاء في الأنبــاء ، قطيــعــاً من الوزراء ، منهم على سبيل المثال :
الهــرّ وكنيتــه أبو أنيس ، نائباً للرئيس .
القــرد للصحــافة والإعــلام ، وإغلاق الأفــواه بإحكام ، والإشــادة بفضــائل النظام.
الخــروف للدفــاع والتحــرير ، والدجــاجــة للثقافــة والتنوير .
الذئب للإقتصــاد والتجــارة ، و " تشــليح " المواطن آخــر بارة .

بعد تشكيل الوزارة بأيام ، إنتشَـــرت الفوضى بين الأنــام . تحــوّلَ العــرين إلى وكــر ، فامتلأ الليث بالقهــر ، وقــد روى الحكايــة أمير شعراء العصــر. قال :
لِلّــيثِ مُـــلْكُ القِفـــــارِ و ما تـضـــمّ الصحـــاري
سَــعَت إليــه الرعـــايا يـومـاً بـكُـلّ البَـــــــــــدارِ
قالَــت : تعيش وتبقــى يا دامــيَ الأظفــــــــــــارِ
مـات الوزيـــرُ فمـن ذا يســوسُ أمْــرَ البـراري؟
قال : الحمــارُ وزيري قضــــى بهـذا اختيــاري
فوَدّعــ،َتـــه وطـــارت بمُـضـحِـكِ الأخبـــــــــارِ

أبو صــابر هي كُنيــة الحمــار .

حتى إذا الشـهرُ ولّـــى كَلَـيـلَــة ونهـــــــــــــــارِ
لم يَشـــعُر الليـــث إلا ومُـلْـكُــــــه في انـدثـــارِ
القـــردُ عِنـــدَ اليَميـــنِ والكلــبُ عـندَ اليســـــــارِ
والهِــرّ بيـن يـديــــــه يلهــــو بعَـظـمَـة فــــــارِ
قال : من في جـــدودي مثلي ، عـديمَ الوقـــــــارِ؟
أين اعتزازي وبـطشـي وَسَــطْوَتي واقــتــداري ؟
فجــاءه القــردُ سِــــــراً وقـالَ بعـدَ اعتـــــــــــذارِ
يا عـاليَ الجــاه فينـــــا كُـنْ عـالِيَ الأنظـــــــــارِ
رأي الرعِيّـــة فيــكــــم من رأيكــم في الحمــار!

قال دبشـــليم :
ـ ومــا ذا فعـــل الأسَــد الضــرغام ، يا ابن الكــرام ، جعلتني والله لا أنام .
قال بيدبـــا :
ـ أقال الأســد الوزارة ، وبعــد تبييت الإســتخارة ، والمداولات والإسـتشــارة . وانســجاماً مع حقــوق الحيــوان ، وضــرورة مســاواة الذكــور مع النســوان ، عَيّــــنَ الأتان !

ضحِـــكَ دبشــليم حتى اغرورقت عيناه ، وما لبث أن افترّت شــفتاه . قال :
ـ وما العَمَــل ، للخــلاص من هــذا الخطْـــب الجلَلْ ؟
قال بيدبـــا :

ـ لا حياة يا مولاي للأوطــان ، بدون حرية القول والبيان . وعنــدما يفــوز ســيادة الرئيس بنسبة التســعين والتســعات ، فتش عن أصابع الأمن والمخابرات . وكلمــا سَــمعت هتاف بالروح والدم ، أغلق أذنيك ونمْ . بدون انتخابات وتعدديــة ، وديموقراطية وحريــة . ســنبقى في هــذا الفســاد ، وخراب البلد والإقتصــاد . وبدون إلغاء حالة الطوارىء والأحكام العـرفيــة ، سيبقى الحكم في أيدي المخابرات العسكرية.
العمــلة الرديئــة تطرُدُ العملــة الجيّــدة من الأســواق ، تمنــع الصحــافة الحرة وتبقى صُحُــف النفاق والإرتزاق . علي دوبا يملك الملايين ليقامـرُ في أونغان ، وعلي فرزات لا يملك ثمــن الأكــفان !
ثلاث ســنوات من حكم القــدّاح ، ووزير الإعــلام يقود جــوقة المُـــدّاح . يمنــع جريدة الدومــري من الصــدور ، ويهــدد المثقفــين بالويل والثــبور ، وعظائم الأمــور . ويتحــدثون عن الإصــلاح ، فلا يجــدون إلا الشــلاح !
الإصــلاح يعني وجــود الفســاد ، فلماذا تمنع جريدة تفضح اللصوص الأوغاد ؟
أتدري يا مولاي أن النشــيد الوطني في البلاد ، أصبح أغنيــة فيروز :

ـ الأتان : أنثى الحمـــار .
ـ القــدّاح في اللغة العربية : طبيب العيون .

يا مـقـدّر المقـــاديــــــــــــر بها البلــد كل شــي بيصــير
بطــا طا تصـير محطّــــــة و" تلفــون " يمشي بلا خط!
والبركــة برامــي وجمـــال وأبناء الوزرا الأبــــــــطال
ومناضــل صــار مقــــاول والذبــــــــح كلــه حـــــلال!

وأدرك شــهرزاد الصــباح ، فســكتت عن الكلام المُــباح !